[القاهرة] قُبيل نهاية العام الماضي، حين انعقدت قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، واستضافتها بيرو، عمدت إلى تلفيع ممثلي الدول الأعضاء بما يعكس شيئًا من هويتها، ألا وهو كوفية ذهبية اللون، ذات خميلة ناعمة هفهافة تُصنع من وبر ’الفِكّونة‘.
والفِكّونة حيوان يستوطن أمريكا الجنوبية، خصوصًا في جبال الأنديز، وتقدر أعداده بنحو 350 ألفًا، وهو الأصغر بين فصيلة الإبليات، وذو وبر ناعم، يُصنع منه أحد أغلى أنواع الفراء في العالم وأجودها.
تلفيعة الكوفية تلك رمزية ثقافية، يأمل باحثون عرب أن تكتسب مثلها المنتجات المنسوجة من أوبار الجمل العربي، ودشنوا لذلك شركة ’نوق‘ الناشئة.
بيد أن الجمل العربي، أكبر أعضاء الفصيلة، لم تحظ أوباره بالاهتمام الكافي، لأن الجزء الخارجي العلوي منها خشن.
هذه الخشونة تخفي تحتها قيمة اقتصادية كبيرة للجزء الداخلي الناعم، كما يوضح محمد الميداني، الأستاذ المشارك في كلية الهندسة وعلوم المواد بالجامعة الألمانية في القاهرة، وأحد مؤسسي ’نوق‘.
قديمًا، كان يُتخذ من وبر الجمل العربي الفرش والأثاث والخيام، وما كان يطلق عليه ’الدثار‘، وهو لباس كان يُرتدى من فوق للتدفئة، ولا يُستخدم ’شعارًا‘، أي لصيقًا مباشرًا للجلد بسبب خشونته.
غير أن الباحثين المؤسسين للشركة تمكنوا من إحداث نقلة نوعية في استغلال وبر الجمل، وابتكروا منتجات تنافس وبر ’الفِكّونة‘ وصوف الكشمير، وفق الميداني.
زيادة على مشكلة الخشونة، كما يوضح الميداني، ثمة أخرى وهي طول أليافه، التي تتراوح بين 45 و60 ملم، وهي أطول من ألياف القطن التي يتراوح طولها بين 20 و40 ملم، لكنها أقصر من ألياف الصوف التي تتراوح بين 70 و85 ملم، ما جعله غير ملائم لخطوط الإنتاج المخصصة للقطن أو الصوف.
يقول الميداني لشبكة SciDev.Net: ”منذ عام 2017 وحتى أواخر 2024 ونحن نعكف على تعديل خطوط الإنتاج لتكون قادرة على معالجة طول ألياف وبر الجمل العربي، وفصل الخشن عن الناعم، لإدخال الأخير في إنتاج خيوط نسجية“.
”ولا يزال الجزء الخشن صالحًا لاستخدامات أخرى مثل حشو المراتب والألحفة“.
المهم أنه بعد فصل الجزء الخشن من الوبر -كما يشير الميداني- تنتج ألياف تنافس ما يُعرف باسم ’الألياف النبيلة‘ في نعومتها وجودتها العالية، ومن ثم تستخدم في الأزياء الراقية الغالية.
و’الألياف النبيلة‘ طبيعية، تمتاز بالقوة والنعومة الفائقة، وتُستخدم في صناعة الملابس الفاخرة والمنتجات التي تتطلب جودة عالية، ومنها وبر الفِكّونة وأختها اللاما، وصوف الكشمير، الذي يُستخرج من شعر ماعز يعرف باسم ’باشمينا‘، ويعيش في المناطق الباردة والجبلية.
”قطر شعيرات ماعز الكشمير يبلغ حوالي 19 ميكرونًا، أما قطر وبر الفِكّونة فيتراوح بين 12 و14 ميكرونًا، وأما وبر الجمل العربي فيصل قطر شعيراته إلى 19 ميكرونًا أيضا، وينخفض قطره ليصبح مماثلًا لقطر وبر الفِكّونة عندما يكون مصدره الجمل الصغير (الحَوار)“، وفق الميداني.
تفاوت يحدد خصائص ”الألياف النبيلة“، ويؤثر مباشرةً على نعومتها وجودتها؛ فالشعيرات الرقيقة مرنة، هينة الانحناء، ذات ملمس ناعم مخملي، ويجعلها مثاليةً للاستخدام في الملابس اللصيقة بالجلد.
إضافة إلى ذلك، فإن مرونة الشعيرات الرقيقة تمنحها القدرة على تحمُّل الضغوط دون أن تنكسر، ما يزيد في متانتها، كما أنها تحتجز الهواء بكفاءة، ما يمنحها ميزة العزل الحراري رغم خفة وزنها.
”هذا المزيج الفريد من النعومة والقوة والعزل هو الذي يجعل الألياف النبيلة أمثل خيار لصناعة الملابس الفاخرة“.
رغم أن وبر الجمل العربي لم يكن حاضرًا في قائمة الألياف النبيلة، فإن شركة ’نوق‘ تسعى إلى إدخاله منافسًا قويًّا، والمزاحمة في أسواقها.
يقول الميداني: ”كانت كبريات الأسواق المستهلكة للألياف النبيلة هي السوق الأوروبية والأمريكية واليابانية، لكن خلال العقد الماضي، صارت الصين والخليج العربي وروسيا من الأسواق الأكثر طلبًا لها، لذا تستهدف منتجات شركة ’نوق‘ غزو السوق العربية المستهلكة للألياف النبيلة، بخامات محلية تنتمي إلى المنطقة“.
تُقدر أعداد الإبل العربية والإبل ذات السنامين عالميًّا بحوالي 42 مليون رأس، موزعة بالأساس في أفريقيا وآسيا، 84% منها في القارة السمراء.
وينتج الجمل العربي حوالي كيلوجرام واحد من الوبر سنويًّا خلال موسم الربيع، ما يعني أن إجمالي الإنتاج السنوي من الأوبار يمكن أن يصل إلى نحو 40 ألف طن، وتستهدف الشركة في هذه المرحلة أوبار الجمال في منطقتي الخليج العربي وشمال أفريقيا، وفق الميداني.
ويسعى الميداني من خلال الشركة إلى إطلاق علامة تجارية ذات طابع ثقافي مميز، مشابهة لعلامات العطور الفرنسية أو الجلود الإيطالية، ”نطمح لأن تصبح ألياف الجمال العربية هي ’البراند‘ العربي الرائد عالميًّا“.
ورغم أن المنتج يحمل العديد من المزايا البيئية والاقتصادية والاجتماعية، فإنه يواجه مجموعة كبيرة من التحديات، كما يوضح حسن عبد اللطيف، أستاذ مساعد في قسم هندسة الغزل والنسيج بجامعة الإسكندرية في مصر.
يقول عبد اللطيف للشبكة: ”وبر الجمال مورد طبيعي يتجدد سنويًّا مع عملية تساقط الوبر، وهو صديق للبيئة، وجمعه يدويًّا يتطلب طاقة أقل ويترك بصمة كربونية منخفضة مقارنةً بالألياف الاصطناعية، كما أن الجمال تعيش في بيئات قاسية، لا تتطلب استزراعًا مكثفًا أو استنزافًا للموارد الطبيعية، ومنتجاته قابلة للتحلل الحيوي، مما يقلل من تلوث البيئة بعد انتهاء دورة حياتها“.
واقتصاديًّا، يوفر استغلال وبر الجمل مصدر دخل مهمًّا للمجتمعات البدوية والريفية، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويقلل الفقر، واجتماعيًّا، يدعم هذا التوجه المجتمعات الرعوية ويساعد في الحفاظ على أسلوب حياتها التقليدي القائم على تربية الجمال.
ثمة تحديات، وفق عبد اللطيف، تشمل صعوبة جمع الأوبار من البدو وارتفاع تكلفة المنتج، بالإضافة إلى تكنولوجيا التشغيل والتصنيع.
”في حال التغلب على هذه التحديات، فإن وبر الجمال يمكن أن يصبح خامةً واعدةً للغاية“.
يشير الميداني إلى أنهم قطعوا شوطًا كبيرًا في التغلب على هذه التحديات، خاصةً فيما يتعلق بتكلفة المنتج العالية، إذ يستهدفون مستهلكي الملابس الراقية، ويشترون الأوبار من المربين بأسعار مرتفعة لتشجيعهم على جمعها.
ويضيف: ”وضعنا تصنيفات سعرية مبنية على دراسة أصناف الجمال العربية، وتحديد الأنواع التي تنتج أوبارًا عالية الجودة، مع تقديم أثمان مميزة لأوبار الجمال الصغيرة، نظرًا لجودتها“.
كذلك ”أعددنا دليلًا إرشاديًّا لآلية جمع الأوبار، على هداه يدرب العاملون على جز الوبر تبعًا لمكانه من جسم الجمل، والآلية التي وضعناها تتوافق مع الشروط العالمية للرفق بالحيوان، وهو مطلب عالمي عند تسويق المنتج“.
هذا الموضوع أنتج عبر المكتب الإقليمي لموقع SciDev.Net بإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا